مباشر
أين يمكنك متابعتنا

أقسام مهمة

Stories

54 خبر
  • العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا
  • فيديوهات الذكاء الاصطناعي
  • خطة أمريكية للتسوية في أوكرانيا
  • العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا

    العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا

  • فيديوهات الذكاء الاصطناعي

    فيديوهات الذكاء الاصطناعي

  • خطة أمريكية للتسوية في أوكرانيا

    خطة أمريكية للتسوية في أوكرانيا

  • كأس أمم إفريقيا 2025

    كأس أمم إفريقيا 2025

  • 90 دقيقة

    90 دقيقة

  • فيديوهات

    فيديوهات

روسيا تعطي أوروبا درسا في القانون الدولي و"الجودو" مستغلة ثغرة عميقة

في أوروبا رفعت الأنخاب وبدأت احتفالات الأروقة السياسية بما سمي "الحصار الاقتصادي الأكثر عدوانية في التاريخ الحديث" وتسابق السياسيون الأوروبيون في ادعاء السبق بـ "الفكرة الجهنمية".

روسيا تعطي أوروبا درسا في القانون الدولي و"الجودو" مستغلة ثغرة عميقة
صورة أرشيفية / kremlin.ru

في ذلك الوقت (عام 2022)، قام الغرب بتجميد نحو 300 مليار دولار من الأصول الروسية للبنك المركزي الروسي، من بينها 245 مليار دولار قام الاتحاد الأوروبي بتجميدها وصادر ممتلكات رجال الأعمال الروس، وأمم مؤسسات روسية، في خطوة كان من المفترض أن "تضرب الاقتصاد الروسي في مقتل"، وتدفع نحو "تغيير النظام في روسيا"، لتؤكد، وفقا لأوروبا حينها، أن "على روسيا أن تدفع ثمن عدوانها على الجارة أوكرانيا".

وخرج خبراء الاقتصاد من المعارضة الروسية في الخارج وغيرهم من الاقتصاديين الغربيين، مهللين بنجاح "الفكرة الجهنمية" الأوروبية، يمهلون روسيا والحكومة الروسية والشعب الروسي "أسبوعا أو أقل" حتى تبدأ السلع في الاختفاء، والطوابير في الشوارع على ماكينات النقود، وغيرها من الأوهام والأساطير التي ظل هؤلاء يكررونها لبعض الوقت.

لم يحدث شيء من هذا..

ظلت الأصول الروسية مجمدة لسنتين، بينما طالبت روسيا بالإفراج عن الأصول المجمدة، والاتحاد الأوروبي يرفض. حتى اتخذ القادة الأوروبيون، نوفمبر 2024، قرارهم غير المسبوق ببدء عملية مصادرة الأصول الروسية المجمدة وليس فقط تجميدها.

أعلن القادة الأوروبيون عن إنشاء صندوق لـ "التعويضات" لأوكرانيا عن "العدوان الروسي"، استنادا إلى مبادئ مشتقة من القانون الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية، كان الأمر مشكوكا فيه من الناحية القانونية. حينها حذر عدد من المستشارين القانونيين القادة من مثل هذا القرار، الذي ينتهك القانون الدولي.

فالممارسة المعتادة فيما يتعلق بالحصانة السيادية وحتى الإطار القانوني للاتحاد الأوروبي نفسه لا يسمح بذلك، إلا أن الضغط السياسي تغلب على الحذر القانوني، ومضى الأوروبيون في إجراءات المصادرة.

أطلقت روسيا عددا من التحذيرات على كافة المستويات الدبلوماسية والسياسية، وهددت بإجراءات غير مسبوقة، دون أن تلقى آذانا صاغية في أوروبا.

بالتوازي كان الفريق القانوني لروسيا، الذي يتكون من أفضل خبراء القانون حول العالم من بريطانيا وفرنسا وسويسرا والولايات المتحدة، يعد العدة منذ عامين لهذه اللحظة، التي كان يعلم علم اليقين أنها ستأتي. وكان الفريق يحلل ويرصد ويوثق كل ما يحدث في قضية الأصول الروسية والحصار ضد روسيا، يبحث عن الثغرات وعن الوقائع المشابهة، ويحضر دعواه القانونية، جامعا المستند تلو الآخر حتى وصل عدد أوراق القضية إلى 847 صفحة من الأسانيد والقرائن التي تؤكد حق روسيا في الإفراج عن أصولها المجمدة، وتعويضات عن الحصار غير القانوني للشركات والأفراد. أقام الفريق القانوني لروسيا دعاوى أمام 14 دائرة قضائية في ثلاث قارات.

توصل الفريق القانوني لروسيا إلى أن الآلية القانونية التي استخدمتها أوروبا لتجميد الأصول الروسية تعتمد على اعتبار تلك الأصول ضمن ممتلكات الدولة الخاضعة لـ "الإنفاذ المدني". ولكن، ووفقا للقانون الدولي، هناك فصل واضح ما بين "الإنفاذ المدني" والحصانة السيادية التي تحصن أصولا للدولة من المصادرة، حتى في إطار الحصار، وتحديدا أصول البنوك المركزية التي يتم الاحتفاظ بها كأدوات للسياسة النقدية والتي تتمتع بحصانة سيادية مطلقة وفقا لعدد من المعاهدات الدولية والقوانين المتعارف عليها.

كان المحامون في أوروبا يعرفون ذلك، ولهذا السبب حافظوا على الأصول الروسية "مجمدة" دون مصادرتها لعامين، حيث كانت المصادرة تمثل معضلة قانونية. وحينما تسبب الضغط السياسي في المضي قدما بالمصادرة، حاولوا التحايل على قضية الحصانة السيادية بتكييف الوضع بوصفه "تعويضات" بدلا من "الإنفاذ القضائي". وكانت تلك هي الثغرة التي توصل إليها الفريق القانوني لروسيا واستغلوها ببراعة.

وكان محور الدعاوى القضائية التي استندت إلى 847 ورقة أمام 14 دائرة قضائية في 3 قارات يستند إلى المبادئ التالية:

أولاً: تنتهك المصادرة القانون الدولي المتعارف عليه فيما يتعلق بالحصانة السيادية. فأصول البنوك المركزية ليست ممتلكات عادية للدولة لكنها أدوات للسياسة النقدية تتمتع بمطلق الحصانة السيادية وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لحصانات الدول وممتلكاتها من الولاية القضائية (2004) والتي تحدد مبادئ حصانة الدول الأجنبية وممتلكاتها من الولاية القضائية لمحاكم الدول الأخرى. وحتى محاكم الاتحاد الأوروبي نفسه قد التزمت بنفس هذا المبدأ. واستخدم الفريق القانوني لروسيا عددا من الحالات الأوروبية بشكل مفصل.

ثانيا: المبرر القانوني للتعويضات مطعون في شرعيته، لأن التعويضات تقتضي وجود اتفاقية سلام تتضمن التعويضات في بنودها وهي غير موجودة، أو حكم من محكمة دولية بالتعويضات وهو غير موجود، أو موافقة طوعية وهي غير موجودة بطبيعة الحال، أما الإعلان أحادي الجانب من أحد الأطراف بـ "التعويضات" غير معترف به قانونا.

ثالثا: المصادرة تنتهك الإطار القانوني للاتحاد الأوروبي نفسه. حيث تحمي العديد من الاتفاقيات والقواعد الأوروبية حصانة الممتلكات السيادية. ولم تتبع المصادرة الإجراءات الخاصة بالاتحاد الأوروبي نفسه لمصادرة الأملاك. وقد بنى الاتحاد الأوروبي قراره بالمصادرة انتقائيا من القانون الأوروبي.

رابعا: بنى الفريق القانوني لروسيا دفاعه على أن مصادرة الأموال الروسية هي سابقة خطيرة تزعزع استقرار النظام المالي العالمي بأسره، حيث تدافع روسيا ليس فقط عن أصولها، وإنما عن سلامة وموثوقية واستقرار النظام المالي العالمي. بمعنى إذا كانت الأصول السيادية لدولة ما يمكن السيطرة عليها بقرار سياسي، فإن ذلك يعني أنه لا توجد أصول سيادية لأي دولة آمنة من المصادرة.

لكن الدفاع القانوني لروسيا تضمن كذلك بعض المستندات الخاصة بالنقاشات الداخلية بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، تؤكد على وجود خلافات بين الأعضاء بشأن قانونية مصادرة الأصول الروسية، ومن بينها تحذير بعض القانونيين في داخل الاتحاد الأوروبي ضد تلك الخطوة، وتشير إلى أن القرار كان سياسيا وليس قانونيا.

ولم يذكر الدفاع من أين حصل على تلك المستندات، لكن ذلك كان من بين ما أفزع الاتحاد الأوروبي الذي تساءل عما تكون روسيا قادرة على الوصول إليه بخلاف النقاشات الداخلية. وكان ذلك الغموض المحيط بكيفية الحصول على المستندات بنفس قدر الضرر أو أكثر من مضمون المستندات نفسه.

لقد رفع الفريق القانوني لروسيا الدعاوى بالتوازي، وهو ما أسفر عن كابوس قانوني لأوروبا، حيث أن لكل محكمة من الـ14 محكمة لها إجراءاتها وقواعدها وقوانينها وأطرها الزمنية، وعلى أوروبا أن تواجه المحاكمات أمام 14 محكمة بإجراءات مختلفة وقواعد وقوانين وأطر زمنية وفرق قانونية واستراتيجية مختلفة، وعلى أوروبا أن تدفع مئات الملايين من اليوروهات فقط من أجل نفقات التقاضي والدفاع، لكن الأسوأ هو الأحكام المتناقضة.

فإذا جاء حكم محكمة واحدة بأن مصادرة الأصول الروسية المجمدة ينتهك القانون الدولي، فإن ذلك سيطعن في موقف أوروبا أمام المحاكم الأخرى. أي أنه كان على روسيا أن تنتصر في واحدة فقط من الدعاوى الـ14، كي تضع أوروبا أمام عدد ضخم من المشاكل القضائية، بينما على أوروبا أن تنتصر في الـ14 دعوى لتثبت صحة موقفها القانوني.

خلال أسابيع فقط ظهرت أولى المشاكل، حيث أصدرت محكمة سويسرية تجارية حكما ابتدائيا بوقف عدد من الإجراءات الأوروبية المتعلقة بإجراءات تجميد الأصول الروسية، لم يعد هذا الإجراء الأصول إلى روسيا، لكنه منع أوروبا من استخدام الأصول لإعادة الإعمار في أوكرانيا، وظلت الأموال دون أن تتمكن روسيا أو أوروبا من استخدامها.

وكانت الدعاوى في مجال الاستثمار هي الأكثر وجاهة، حيث ترتبط روسيا بعقود استثمارية ثنائية مع عدد من الدول الأوروبية، وهذه العقود تحمي الاستثمارات الأجنبية من المصادرة بدون تعويضات، وكان الموقف الروسي هو أن مصادرة الأصول الروسية للبنك المركزي الروسي تنتهك هذه العقود.

لقد ظن محامو الاتحاد الأوروبي أن أصول البنك المركزي الروسي ليست استثمارات مغطاة بهذه العقود، لكن الفريق القانوني لروسيا أثبت أن الدول الأوروبية كانت قد أثبتت العكس في عدة مواقف أخرى، واقتبسوا من المواقف القانونية للاتحاد الأوروبي التي حددت وعرفت مفهوم "الاستثمار" بشكل واضح ودقيق بحيث أنه تضمن الأصول المالية السيادية. وكانت تلك هي الضربة القاضية، حيث تناقضت مواقف الاتحاد الأوروبي السابقة مع الراهنة. ووفقا للقانون الدولي فإن الدول لا يمكن أن تتخذ مواقف قانونية متناقضة بشكل انتقائي وانتهازي. لقد استخدمت روسيا نفس أدوات الاتحاد الأوروبي القانونية.

حدث ذلك أمام أعين الصناديق السيادية والبنوك المركزية في جميع دول العالم، فإذا كانت أوروبا قادرة على مصادرة الأصول السيادية الروسية بقرار سياسي، فبإمكانهم في أي وقت وتحت أي ظروف مصادرة أي أصول سيادية لأي دولة.

بدأت الأصول تتسرب من الشركات الأوروبية بلا هلع وبدون أرقام ضخمة، ولكن باستدامة واستمرار. بدأت الدول التي تحتفظ بمواردها في سندات الاتحاد الأوروبي تنويع مصادر ادخارها، وبدأت في تحريك أصولها من أوروبا إلى أماكن أخرى أكثر موثوقية.

أثر ذلك على الأسواق المالية الأوروبية فارتفعت عوائد السندات وتراجع اليورو، وارتفعت تكاليف الاقتراض بالنسبة للحكومات الأوروبية. وواجه البنك المركزي الأوروبي خيارا صعبا بين الدفاع عن المصادرة ومواجهة اضطرابات مالية، أو الاعتراف بالمشاكل القانونية للمصادرة وعدم الأخذ بالاعتبار الأهداف السياسية.

اختار البنك الصمت المدروس الذي لم يساعد أحدا. وتتابع تأثير الدومينو: واجهت شركات التأمين الأوروبية، التي وفرت التأمين على المخاطر السياسية، وبشكل مفاجئ، احتمالات مسؤوليات هائلة، فإذا تم الحكم بعدم قانونية المصادرة، فسيتعين عليهم دفع ثمن المخاطر السياسية التي قاموا بتأمينها (مصادرة الأصول الروسية)، وانفجرت التعويضات عن المخاطر السياسية في أوروبا، وهو ما جعل الاستثمارات الأوروبية أقل جاذبية. أما البنوك والشركات القابضة أو تلك التي تدير الأصول الروسية في دوائر قضائية أخرى أصبحت تواجه احتمال المساءلة القانونية. فإذا حكمت المحكمة بعدم قانونية المصادرة، قد يتعرضون للمساءلة للمشاركة في هذه المصادرة. وأخذت إدارات الشؤون القانونية في كبريات المؤسسات المالية الأوروبية تنصح عملاءها بتجنب أي معاملات يمكن أن يكون لها علاقة بقضية الأصول الروسية المجمدة. وامتد هذا التعقيد عبر النظام المالي كالفيروس.

ولم تسلم بالطبع التداعيات السياسية، حيث أصبح أعضاء الاتحاد الأوروبي من أوروبا الشرقية، ممن ضغطوا بقوة للمصادرة، يواجهون الآن رد فعل مضاد. وشعرت اقتصاداتهم القريبة من روسيا بالانتقام بشكل أكبر. وعاد أعضاء الاتحاد الأوروبي من أوروبا الغربية، الذين كانوا متحفظين منذ البداية، للقول إنهم "حذروا من ذلك سابقا!"، وأبعدوا أنفسهم عن المسؤولية المشتركة للاتحاد الأوروبي.

وانهارت "الوحدة الأوروبية" التي جعلت من المصادرة قرارا سياسيا يتجاوز التحذيرات القانونية، تحت ضغط القانون. وبدأ بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يقترحون بهدوء التسوية مع روسيا، والإفراج عن بعض الأصول مقابل تنازل روسيا عن الدعاوى القانونية. أصر آخرون على أن موقفا كهذا سيعد ضعفا، ويجب على أوروبا القتال في جميع القضايا حتى التوصل إلى الفوز بها جميعا.

أصبح الجدل الأوروبي الداخلي علنيا حادا، لتتضح استراتيجية روسيا القانونية التي لم تكن موجهة فحسب ضد مصادرة الأصول الروسية، وإنما ضد مفهوم الوحدة الأوروبية.

والآن إلى الجزء الألمع والأذكى في الاستراتيجية القانونية الروسية: لم تكن روسيا تحاول كسب كل قضية من القضايا الـ 14 في المحاكم، فبعض هذه القضايا سيكون مصيرها الخسارة. فقضايا محكمة العدل الدولية تستغرق سنوات، وغير مأمونة العواقب. لكن روسيا ليست بحاجة إلى كسب جميع القضايا، يكفيها فقط إثارة بلبلة قانونية كافية حتى لا تتمكن أوروبا من استخدام هذه الأصول، بينما تظل الأصول مجمدة في حرز قانوني. لا تستطيع أوروبا منحها لأوكرانيا، لأن محكمة أو بعض المحاكم قد أصدرت أحكاما بعدم استخدام تلك الأصول، وحتى مع أن روسيا لا تسترد هذه الأصول، إلا أن الأهم أن أوروبا لن تستطيع الحصول عليها.

في الوقت نفسه تتزايد المصاريف القانونية وتتعمق التناقضات السياسية وتستمر الاضطرابات المالية وعدم الاستقرار.  إنها استراتيجية حرب استنزاف قانونية.

لقد ظنت أوروبا أن مصادرة الأصول الروسية المجمدة هي ضربة واحدة قاصمة، بتأثير فعال مدو، بينما أعادت روسيا البوميرانغ إلى أصحابه في صورة معركة قانونية مستمرة بتكاليف متزايدة وتداعيات خطيرة.

ستكون سياسة الحصار فيما بعد محدودة إذا تمكنت روسيا من إثبات الحصانة المطلقة للأصول السيادية، حتى في إطار العقوبات، حينها ستكون أقسى العقوبات الغربية بتجميد الأصول السيادية محدودة التأثير.

الصين بدورها تراقب الموقف عن كثب، حيث تتابع باهتمام كيفية مواجهة العقوبات الغربية في أروقة المحاكم، وتتعلم هي ودول أخرى من استراتيجية روسيا لمواجهة العقوبات ومصادرة الأصول السيادية.

اليوم يحاول الخبراء القانونيون الأوروبيون بهدوء البحث عن تسوية لا لأنهم يعتقدون أن أوروبا ستخسر كل القضايا بالتأكيد، وإنما لأن تكاليف الصراع في المحاكم لمدة طويلة يفوق كل المكاسب.

فإذا حكمت المحاكم الكبرى بعدم قانونية المصادرة، سيتعين على أوروبا إعادة الأصول ودفع تكاليف التقاضي التي تكبدتها روسيا، وفوق هذا وذاك تقبّل الوضع الجديد الذي يحد من تأثير الحصار في المستقبل.

في ظل هذه الظروف يبدو سيناريو التسوية أكثر جاذبية، بينما تزداد قوة الموقف الروسي في التفاوض مع استمرار سير القضايا الـ14.

أما في التفاوض، فإن روسيا لا تطلب الاستعادة الفورية لجميع الأصول، بل إنها منفتحة على التفاوض، وربما تذهب بعض الأصول إلى مشروعات دولية محايدة للتنمية (وفقا لوزارة المالية الكازاخستانية أفرجت شركة "يوروكلير" عن أكثر من 600 مليون دولار من أموال صندوق التنمية الاقتصادية والنقدية المجمدة في حسابات روسية لتستخدم هذه الأموال في مشاريع كازاخستانية بينما تتوقع كازاخستان الإفراج عن 120 مليون دولار إضافية من أموال الصندوق في عام 2026 – 23 ديسمبر 2025)، ربما تستخدم بعض هذه الأصول في إعادة إعمار في مناطق أوكرانية بإشراف روسي، ربما يتم إعادة بعض الأصول مقابل بعض الالتزامات الروسية. روسيا تطرح نفسها هنا كطرف عقلاني، مستعد للتفاوض الواقعي، لكنها تريد فقط الاعتراف بأن المصادرة كانت تصرفا خاطئا وربما غير مسؤول. موقف أوروبا في المقابل هو موقف الضعيف الذي يحاول الدفاع عن مسألة قانونية خاسرة، تصرف فيه أوروبا مبالغ طائلة من أجل حفظ ماء الوجه، ومحاولة إيجاد مخرج قانوني لقرار سياسي تجاهل القانون برغم كل التحذيرات.

على الجانب الإنساني للقضية، فإن المحامون الأوروبيون المدافعون عن المصادرة هم نخبة النخب في مجال القانون الدولي، يحفظون القانون الدولي عن ظهر قلب، ولهم أبحاث ومقالات، ويحاضرون تحديدا في مجال الحصانة السيادية، وهم في الوقت نفسه يحاولون اليوم الدفاع عن موقف يناقض كل ما يعرفونه وكل ما يحاضرون بشأنه. البعض منهم، وبرغم تبنيهم للقضية بناء على طلب مباشر من الحكومات، وعلى خلفية الأمانة العلمية، يحاولون في الخفاء التعبير عن عدم ارتياحهم، ويعرفون أن أسانيدهم ودفاعاتهم ضعيفة. فقضية مصادرة الأصول الروسية المجمدة في أوروبا تطرح قضية أعمق، قضية الدفاع المفتقر إلى الحجج. الدفاع المهني المحترف لكنه، في الوقت نفسه، يفتقر إلى إرادة الحق، فلا نرى دفاعا عاطفيا مشتعلا لأن المحامين المخضرمين يعرفون مكامن الشك في مواقفهم.

في الوقت نفسه، يتضمن الفريق القانوني لروسيا بعض الخبراء القانونيين ممن كتبوا النصوص التفسيرية للحصانة السيادية، ويستند موقفهم إلى النصوص التي كتبوها بأنفسهم، إلى جانب إيمانهم بالقضية التي يقاتلون من أجلها، لهذا يبدو الدفاع الروسي أكثر إحكاما وإقناعا وتفصيلا. وفي معارك القضاء تكسب الثقة والاقتناع الراسخ والدليل الدامغ. كذلك فإن الوقت لصالح روسيا، حيث ستستغرق هذه القضايا سنوات، ستظل خلالها هذه الأصول مجمدة غير قابلة للصرف لأي من الأطراف.

روسيا، في المقابل، تعودت على الحصار، وكيّفت نفسها للحياة في إطار الظروف الاقتصادية التي فرضها الغرب عليها، ووجدت بدائلها وشركائها واستقر الاقتصاد، وتوارت اللحظة الطارئة التي قررت فيها أوروبا "معاقبة" روسيا، وراء تصدير النفط والغاز للصين والهند وتركيا، وحينما يصل قطار هذه المحاكمات الـ14 إلى نهايته بحلول 2027-2028 ربما سيطرح الرأي العام الأوروبي حينها سؤاله حول السبب في هذه المعارك!

فالوضع السياسي حينها ربما يتبخر ويتحول إلى وضع جديد، تنتفي فيه ظروف المصادرة والحصار والعقوبات التي أثبتت وستثبت عدم جدواها على أي حال. تراهن روسيا على أن ذاكرة أوروبا أقصر من مدة التقاضي في المحاكم الدولية.

ما يقض مضجع الاستراتيجيين الأوروبيين اليوم هو أن أوروبا، بخسارتها هذه القضايا، ستكون قد انتهكت القانون الدولي، وهو ما يضرب السياسة الخارجية الأوروبية في مقتل، وهي التي تدافع عن النظام العالمي "المبني على القواعد"، وتحاضر بقية الدول بشأن احترام القانون الدولي، وحكم بانتهاك أوروبا للقانون الدولي يحطم تلك "السلطة الأخلاقية".

وستقوم الصين وروسيا وإيران وكل الدول التي تنتقدها أوروبا بالاقتباس من هذا الحكم/الأحكام في جميع المستندات والوثائق والأحكام والقرارات المستقبلية بشأن أوروبا والغرب. ولسان الحال يقول: "لقد انتهكتم القانون الدولي بأنفسكم بحكم المحكمة، فلم نستمع إليكم بعد اليوم؟!".

فقدان السمعة في هذه القضية قد يفوق بمراحل فقدان الأموال.

جوهر الاستراتيجية القانونية لروسيا في هذه القضية هو تحويل مكمن "القوة" و"القدرة" الأوروبية إلى ضعف ووهن وازدواجية معايير. قوة أوروبا المستمدة من الهياكل القانونية، وسيادة القانون، واستقلال القضاء، هي الأسلحة التي استخدمتها روسيا ضد النخب السياسية الرعناء في أوروبا.

إنها رياضة الجودو: استخدام عزم وقوة وكتلة الخصم ضده.

النتيجة هي أن روسيا قد لا تحصل على 245 مليار دولار من أصولها المجمدة لدى أوروبا على الفور، قد تظل بعض الأصول مجمدة أو قد تصادر، لكنها ستحصل على فوضى قانونية وسمعة عالمية للمصادرة سيذكرها التاريخ لفترة طويلة كهزيمة مدوية لأوروبا. الرمزية السياسية هنا تعني أكثر من الخسارة/المكسب المادي.

حاولت أوروبا إثبات أن "للعدوان ثمن يجب أن يدفع"، بينما أثبتت روسيا أن "القوة الأوروبية" محدودة ويمكن مواجهتها بالقانون. وهي الرسالة التي وصلت أبعد بكثير من رسالة أوروبا السياسية المنحازة. لقد ظلت سياسات الحصار والضغط والعقوبات والإملاءات هي الأدوات التي يستخدمها الغرب ضد الدول في النظام العالمي الراهن، وكان المعروف حتى تاريخه هو أن العقوبات في صورة "تجميد الأرصدة" هي الوحش المخيف الذي يستخدمه الغرب لإخافة من لا يتماشون مع سياساته، وذلك التجميد أبدي، حتى يرضى الغرب عن تلك الدول المختلفة معه وتتم "تسوية ما" مع هذا النظام أو ذلك. روسيا اليوم تثبت خطأ هذا الاستنتاج، وتعبد طريقا قانونيا آخر لجميع الدول حول العالم. يمكن مواجهة الحصار، والإفراج عن الأصول بالقانون، ذات القانون الذي يستخدمه السياسيون في الغرب من أجل الهيمنة والسيطرة.

إنها كارثة أوروبية مغلفة بتعقيد قانوني معتبر، ربما لا يعرف خباياها المواطن الأوروبي، ويمكن للسياسيين الأوروبيين مواصلة خداع جماهيرهم، لكن الخبراء القانونيين والماليين يعرفون حق المعرفة أن روسيا على حق، وأن سقوط القيادة السياسية في أوروبا أكبر من أي محاولة للتغطية عليه أو إخفائه.

سرقة 245 مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة لدى أوروبا لم تواجهها روسيا بالدبابة أو المدفع، وإنما بالحكمة والحنكة والاستراتيجية القانونية المحكمة.

المصدر: قناة Yanis explained 

         RT

يانيس فاروفاكيس: اقتصادي يوناني-أسترالي شغل منصب وزير مالية اليونان (2015) يشغل منذ عام 2018 منصب الأمين العام لحركة الديمقراطية في أوروبا وهو حزب سياسي يساري أوروبي شارك في تأسيسه عام 2016.

التعليقات

اختر "الشخصية القيادية العربية الأكثر تأثيرا عام 2025"!

اختر "الشخصية القيادية العربية الأكثر تأثيرا عام 2025"!

لافروف للشيباني: روسيا ملتزمة بدعم سيادة سوريا ووحدة أراضيها

زيلينسكي يطرح خطة للسلام من 20 بندا لا تشمل التخلي عن الانضمام لـ"الناتو" والأراضي

المعركة على سوريا تتخذ منحى جديدا.. إسرائيل تتخذ "قرارا دراماتيكيا" بشأن الرئيس أحمد الشرع

روسيا تعطي أوروبا درسا في القانون الدولي و"الجودو" مستغلة ثغرة عميقة