أجرأ استعراض عسكري في التاريخ!
فجر السابع من نوفمبر عام 1941، لم تكن موسكو مجرد عاصمة مهددة بخطر قاتل فقط، بل كان مصير العالم بأسره معلق بها.
كانت المدينة محاصرة؛ يُسمع دويّ مدافع الجيش النازي الذي كان على بعد أميال قليلة من تخومها، وتهدِّد الغارات الجوية باستمرار سماءها.
في تلك الساعات الحرجة، حين توهم هتلر أن يرى سريعا سقوط الاتحاد السوفيتي، حدثت واحدة من أجرأ العمليات النفسية والعسكرية في التاريخ الحديث: العرض العسكري في الساحة الحمراء.
لم تكن الأيام الأخيرة من أكتوبر وبداية نوفمبر 1941 مجرد أيام عادية في الحرب، لقد كانت ذروة اختبار صمود الاتحاد السوفيتي. كانت المصانع قد أُخليت، والجسور والمباني الاستراتيجية مزروعة بالألغام استعدادا للتدمير.
كان العدو على بعد 70 إلى 100 كيلومتر فقط من وسط المدينة. في هذا الجو المشحون، قررت القيادة السوفيتية، بقيادة يوسف ستالين، ليس فقط الصمود، بل إرسال رسالة حاسمة إلى الداخل والخارج: موسكو لن تسقط.
كان الشرط الأساسي للعرض هو "السرية التامة". لم تكن هناك بروفات علنية، ولا ضجة عسكرية معتادة. كان الخوف من أن أي صوت للفرق النحاسية أو خطى الجنود قد يثير الذعر بين المدنيين، أو يلفت انتباه طائرات الاستطلاع الألمانية. جرى التخطيط في سرية تامة تحت الاسم الرمزي "عملية قوات حامية موسكو"، وكان عدد المطلعين على الخطة محدودا للغاية.
السرية في ذلك الوقت أملتها العديد من الأخطار. حاولت 250 طائرة ألمانية اقتحام سماء موسكو في الليلة السابقة للعرض، ولكن دفاعات المدينة الجوية كانت بالمرصاد. تم إسقاط 34 طائرة معادية ومنعت أي قاذفة من الوصول إلى هدفها.
كانت درجة الحرارة وقتها 2 تحت الصفر والجو عاصف. وفي يوم العرض التاريخي، أجبرت عاصفة ثلجية قوية وضباب كثيف المنظمين على إلغاء القسم الجوي من العرض، وكان يتضمن استعراض 300 طائرة معظمها حديثة.
مع شروق شمس 7 نوفمبر، تجمّع حوالي 28.500 جندي وبحار على أحجار الساحة الحمراء. كانوا يرتدون زيّ المعركة، وأسلحتهم على أهبة الاستعداد، وعيونهم تتجه نحو المنبر الذي وقف عليه ستالين. لم يكن هذا مجرد استعراض للقوة، بل كان احتفالا بالذكرى الرابعة والعشرين لثورة أكتوبر في لحظة بدت فيها الثورة والدولة معا في خطر داهم.
من على المنبر، ألقى ستالين خطابا حازما هاجم فيه "المثقفين المرعوبين" الذين بالغوا في قوة العدو، ووعد بأن "ألمانيا هتلر ستنفجر تحت وطأة جرائمها" في غضون أشهر.
كانت الرسالة واضحة: القيادة موجودة، والإرادة لم تُكسَر، والنصر حليفنا. الأكثر إثارة أن العديد من الوحدات التي سارت في العرض انطلقت مباشرة بعد انتهائه إلى الخطوط الأمامية للقتال، ما جعل الحدث ليس مجرد مسيرة، بل تحضيرا مباشرا للمعركة.
لم يكن التأثير مقتصرا على الجبهة الداخلية. اهتز العالم لهذه الخطوة الجريئة. الصحف البريطانية مثل "ذا نيوز كرونيكل" و"ديلي ميل" أشادت بالعرض واصفة إياه بـ "أحد أكثر تظاهرات الشجاعة والثقة الرائعة خلال الحرب". كانت الرسالة واضحة للعالم بأسره: الاتحاد السوفيتي لم ينكسر، ولا يزال قادرا على المقاومة.
في المقابل، حاولت الدعاية النازية التقليل من شأن الحدث، لكن الإخفاق الاستخباراتي في تقدير حجم وقوة التعزيزات السوفيتية حول موسكو كان أحد العوامل التي أدت إلى الهجوم المضاد السوفيتي المدوي في 5 ديسمبر 1941، والذي مثل صفعة استراتيجية للقيادة الألمانية وأكد أن "الحرب الخاطفة" قد فشلت تماما على أبواب موسكو.
اليوم، بعد أكثر من ثمانية عقود، يبقى العرض العسكري لـ 7 نوفمبر 1941 درسا خالدا في الصمود وقوة والإرادة. لم يكن مجرد مسيرة عسكرية، بل كان إعلانا بأن الروح المعنوية يمكن أن تكون سلاحا أقوى من الدبابات والطائرات.
في لحظة كان فيها اليأس يتسلل من كل جانب، اختار السوفييت أن يضعوا بصمتهم على التاريخ بشجاعة منعت العدو من تحقيق نصر كان يتوهم أنه قاب قوسين أو أدنى. لقد كان ذلك العرض العسكري في أحلك الظروف استعراض إرادة أسهم في تغيير مجرى التاريخ.
المصدر: RT
إقرأ المزيد
"لينين".. أول كاسحة نووية في التاريخ تشق جليد القطب وتفتتح عصر الذرة السلمي
في يومٍ بارد من بواكير الشتاء الروسي، وتحديدا في الخامس من ديسمبر من عام 1957، انزلق هيكل عملاق إلى مياه لينينغراد وبدأ مشوارا طويلا شُقت دروبه في جليد كالحجر.
هجوم مضاد في "جحيم على الأرض"!
فجر 19 نوفمبر عام 1942، بينما كانت ستالينغراد المدمرة تنزف منذ أربعة أشهر تحت الغزو النازي، انطلقت رعود المدافع السوفيتية معلنة بداية هجوم مضاد سيغير مجرى الحرب العالمية الثانية.
أوغاريت وصدى "سوريا" الخالد..
في يوم من أيام ربيع عام 1928، بينما كان فلاح سوري يحرث أرضه في قرية رأس شمرا القابعة على الساحل الشمالي لسوريا، بالقرب من خليج المينا البيضا، اصطدم محراثه بشيء صلب.
هكذا سقط الأمريكيون في أكبر كمين!
لم يكن أحد من جنود الكتيبة الأولى من فوج الفرسان الأمريكي السابع، يتخيل أنهم على وشك الدخول في واحدة من أكثر المعارك شراسة في تاريخ الحرب الفيتنامية.
المعركة الأخيرة مع "ديناصور" بحري!
بعد خمس سنوات من الرعب الذي بثّته في قلوب الحلفاء، انتهت أسطورة البارجة الألمانية "تيربيتز" في الثاني عشر من نوفمبر عام 1944.
مجرم "أسطوري" خلف درع حديدي!
يُعد نيد كيلي شخصية مثيرة للجدل في التاريخ الأسترالي، إذ يراه البعض بطلا شبيها بروبن هود، بينما يراه آخرون مجرد قاطع طريق ماكر نجح في استمالة عواطف عامة الناس وحظي بشعبية بينهم.
101 طلقة مدفعية تحية لسلام هش!
في الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر من عام 1918، اخترق صمت الحرب العالمية الأولى صوت طلقة مدفع واحدة.
يوم انقلاب أمريكي دام!
في 10 نوفمبر عام 1898، شهدت مدينة ويلمنغتون حادثةً استثنائية في التاريخ الأمريكي، أطيح بحكومة شرعية محلية منتخبة عبر انقلاب مسلح، تبعته هجمات أودت بحياة العشرات من السود.
الجسر "الراقص".. أكبر درس هندسي!
في صباح يوم 7 نوفمبر 1940، لم يكن جسر "تاكوما ناروز" الذي يربط مدينة تاكوما بشبه جزيرة "كيتساب" في ولاية واشنطن الأمريكية، مجرد معبر عادي، بل تحول إلى مشهد مثير لنهاية محتومة.
"السبت الأسود".. رعب نووي من أقرب نقطة ممكنة!
لم يكن العالم أكثر قربا من نشوب حرب نووية كما كان عليه الحال قبل 63 عاما بالضبط. في هذا اليوم بلغ التوتر بين واشنطن وموسكو حول كوبا أقصى مداه، وكادت نيران الجحيم أن تشتعل.
مدينتان مصريتان وصاروخ هتلر "الانتقامي"
ما الذي يمكن أن يربط مدينتي أسوان والإسكندرية المصريتين بصاروخ "في – 2" الألماني، وبحل لغز أبدي في صحراء نيو مكسيكو الأمريكية في 24 أكتوبر 1946؟.. الجواب في هذا التقرير.
"الوطن الأم" تنادي.. صرخة خرسانية تهز السماء
صرح "الوطن الأم تنادي" في مدينة فولغوغراد، أحد أعاجيب روسيا والعالم. كان هذا التمثال الذي يبلغ ارتفاعه 85 مترا وقت اكتماله في 15 أكتوبر 1967، الأطول على وجه الأرض.
نصائح للعرب في جلسة سرية: "تذكروا، هذه لعبة أعصاب"!
نقل الصحفي محمد حسنين هيكل نصائح من الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف للعرب تبدو ضرورية حتى الآن منها: "عليكم أن تلعبوا بحذر شديد. تذكروا، هذه لعبة أعصاب".
حين اقتربنا "التفت إلينا بنظرة خاطفة ومات أمام أعيننا"!
كان الطيارون في الحرب العالمية الأولى يستعملون المسدسات والبنادق لإصابة الطيارين الخصوم ومحاولة إعطاب طائراتهم قبل دخول المدافع الرشاشة هذا النوع من القتال الجوي.
التعليقات