من كورسك إلى أنكوريج.. روسيا في 2025 بين الانتصارات الميدانية والانفتاح الدبلوماسي

1. تحرير كورسك

في مطلع مارس 2025 شنت القوات الروسية عملية عسكرية واسعة النطاق لتحرير مقاطعة كورسك التي احتل الجيش الأوكراني مناطق حدودية منها في أغسطس 2024. وبعد أشهر من النجاحات الميدانية التدريجية تمكنت القوات الروسية من خلال مناورة مدروسة وضربة مركزة من طرد العدو من أبرز معاقله بما فيها أكبر المدن المحتلة سوجا، لينتهي الأمر بإعلان قيادة الجيش في 26 أبريل عن تحرير كامل أراضي كورسك.

2. تسارع وتيرة تقدم القوات الروسية في أهم محاور القتال بحلول نهاية 2025

قام الجيش الروسي منذ بداية العام الحالي بتحرير أكثر من 300 مركز سكني، بينها عدد من المدن، وتجدر الإشارة إلى أن معظم المكاسب على الأرض تم تحقيقها في الأشهر والأسابع الأخيرة، عندما سيطرت القوات الروسية على مدن كراسنوارميسك (بوكروفسك)، وديميتروف (ميرنوغراد) وسيفيرسك في دونيتسك، وفولتشانسك وكوبيانسك في خاركوف وغولاي بوليه في زابوروجيه، فضلا عن عشرات البلدات والقرى.

3. تصعيد الغارات الأوكرانية على مواقع مدنية في الداخل الروسي

تزامنا مع تقدم الجيش الروسي في جبهات القتال، صعدت أوكرانيا هجماتها باستخدام صواريخ وطائرات مسيرة على مواقع معظمها تابع للبنية التحتية المدنية في المناطق الحدودية والعمق الروسي. وألحقت الغارات الأوكرانية أضرارا بمؤسسات صناعية ومنشآت للطاقة وكذلك مبان سكنية، مما أدى إلى مصرع ما لا يقل عن 400 مواطن وإصابة أكثر من 3200 آخرين منذ بداية العام.

ونفذ مخربون أوكرانيون عددا من العمليات استهدفت سكك الحديد ومرافق نقل أخرى، كان أكثرها دموية عملية تفجير جسر فوق في سكة حديد في بريانسك مساء 31 مايو تسببت في اصطدام قطار ركاب بالأنقاض مما خلف 7 قتلى وأكثر من 100 مصاب.

4. استئناف العملية التفاوضية: من اسطنبول إلى أنكوريج إلى "خطة ترامب للسلام"

بالتوازي مع استمرار الأعمال القتالية، شهد العام 2025 عودة إلى المسار التفاوضي لتسوية النزاع، وذلك بعد دخول الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب على خط الوساطة.

وساعدت جهود ترامب وفريقه في عقد مفاوضات مباشرة بين وفدي روسيا وأوكرانيا في اسطنبول في 16 مايو، وهي أول مفاوضات من نوعها منذ العام 2022، تلتها جولتان في 2 يونيو و23 يوليو، وكان من أبرز نتائجها سلسلة عمليات تبادل للأسرى وجثامين القتلى بين الطرفين.

لكن هذا المسار تعثر بعد أن تبين وجود فجوة يصعب تجاوزها بين مواقف الجانبين ولم تستجب كييف لمقتراح موسكو بتشكيل 3 مجموعات عمل للنظر في القضايا السياسية والعسكرية والإنسانية.

وأعطى اللقاء بين الرئيسين بوتين وترامب في أنكوريج بولاية آلاسكا في 15 أغسطس، زخما جديدا للعملية السلمية، حيث توصل الزعيمان إلى تفاهمات أساسية بشأن رؤية للسلام المنشود.

ورغم أن الموقف الأمريكي ظل متذبذبا بفعل التدخلات الأوروبية دفاعا عن مصالح كييف أمام ترامب، لم تتوقف المحادثات والوساطات خلف الأبواب المغلق، ما مهد الطريق إلى ظهور مشروع أمريكي للتسوية مكون من 28 بندا في نهاية أكتوبر أطلق عليه "خطة ترامب للسلام".

ومع أن الخطة الأمريكية أصبحت على الفور موضع نقاش ومساومات ومقايضات بين كييف والأوروبيين من جانب، وواشنطن من جانب آخر، إنها أطلقت محادثات جوهرية لبلورة حلول عملية لأبرز القضايا الخلافية.

5. روسيا تختبر أسلحة جديدة فريدة من نوعها

في خطوة تحمل رسالة هامة إلى أعداء روسيا وأصدقائها، أعلن الرئيس بوتين في أكتوبر عن نجاح الاختبارات النهائية لصاروخ "بوريفيستنيك" المجنح وهو أول صاروخ في العالم يعمل بمحرك نووي ومن مزاياه أنه منخفض التحليق وخفي، مسار طيرانه غير متوقع وقادر على حمل رأس حربي نووي.

كما أعلن بوتين عن انتهاء اختبارات توربيد "بوسيدون" النووي الغواص المسير بمحرك نووي، لافتا إلى أن قدرته التدميرية "أشد بكثير من صاروخ "سارمات" النووي العابر للقارات. وأضاف أن لا مثيل لـ"بوسيدون" في العالم من حيث السرعة أو العمق الذي تصل إليه، وأن اعتراضه مستحيل.

بذلك أكدت روسيا عزمها على ألحفاظ على أعلى مستوى للردع النووي في وجه أولئك الذين يحلمون في احتواء روسيا وألحاق هزيمة استراتيجية بها.

وردا على تلويح ترامب باستئناف واشنطن التجارب النووية، حذرت روسيا في موفمبر من أنها ستضطر إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة "إذا قرر أعضاء معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية إجراء تجارب نووية"، ووجّه بوتين القيادة العسكرية الروسية بتقييم جدوى التحضير للاختبارات النووية.

6. الذكرى السنوية الـ80 للنصر في الحرب الوطنية العظمى ضد النازية

في مايو أحيت روسيا الذكرى الـ80 للنصر في الحرب ضد ألمالنيا الهتلرية، بما تحمل هذه الذكرى من دلالات تاريخية تعزز الانتماء والوحدة الوطنيين وثقة الشعب بقواه وافتخاره ببطولات الأجيال السابقة.

وشهدت الساحة الحمراء في قلب موسكو عرضا عسكريا مهيبا بحضور محاربين قدامى وضيوف وقادة من أكثر من 20 دولة، فيما شارك في العرض أكثر من 1500 عسكري بينهم مشاركون في العملية العسكيرة الخاصة وقوات من 13 دولة.

7. توطيد علاقات روسيا مع دول "الجنوب العالمي"

وفقا لاستراتيجيتها لبناء عالم متعدد الأقطاب عملت روسيا خلال العام الماضي بثبات على تعزيز العلاقات مع حلفائها وشركائها من دول "الأعلبية العالمية"، سواء على أساس ثنائي أو في إطار منظمات إقليمية ودولية، من أهمها رابطة الدول المستقلة منظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة شتغهاي للتعاون و"بريكس".

وكان منتدى بطرسبرغ الاقتصادي الدولي (في يونيو) ومنتدى الشرق الاقتصادي (في فلاديفوستوك في سبتمبر) من أبرز المنصات التي عملت روسيا عبرها لاستقطاب استثمارات وتطوير شراكات اقتصادية جديدة:

• الصين: شهدت الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي بين روسيا والصين دفعة قوية بفضل نجاح "دبلوماسية القادة" التي مارسها الرئيس بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ، بما في ذلك خلال زياراتهما المتبادلة إلى موسكو (في مايو) وبكين (في سبتمبر). وخلال العام الماضي أظهر التعاون بين موسكو وبكين قدرة كبيرة على الصمود في وجه الضغوط الخارجية. وفي قرار متبادل أعفت روسيا والصين مواطنيهما من تأشيرات الدخول لمدة عام.
• إيران: فتحت روسيا وإيران أبواب مرحلة جديدة في العلاقات بتوقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة في يناير ودخولها حيز التنفيذ في أكتوبر.
• كوريا الشمالية: وصلت العلاقات مع كوريا الشمالية إلى مستوى جديد، لا سيما بعد أن قدمت كوريا الشمالية، بموجب اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقع في 2024، مساعدات عسكرية في تحرير كورسك من المحتلين الأوكرانيين، وساهمت بشكل كبير في تهيئة الظروف لعودة الحياة السلمية إلى المنطقة. وترسيخا للعلاقات الثمائية قام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بزيارة إلى بيونغ يانغ في يوليو.
• الهند: أكدت نتائج زيارة دولة التي قام بها الرئيس بوتين إلى الهند مطلع ديسمبر تطابق الأهداف الاستراتيجية ومتانة الثقة المتبادلة بين البلدين، وتم خلالها توقيع حزمة من الوثائق، بينها برنامج لتطوير المجالات الاستراتيجية للتعاون الاقتصادي الروسي الهندي حتى عام 2030.
• آسيا الوسطى.: اعتمدت القمة الثانية بصيغة "روسيا - آسيا الوسطى" المنعقدة في دوشنبه في أكتوبر خطة عمل مشتركة للفترة حتى العام 2028.
• إفريقيا: واصلت روسيا تعزيز حضورها في القارة الإفريقية، حيث أُنشئت آلية حوار بين روسيا و"اتحاد دول الساحل" على مستوى وزراء الخارجية. ومهد المؤتمر الوزاري الثاني لمنتدى الشراكة الروسية الإفريقية، الذي عقد في القاهرة هذا الشهر، الأساس للقمة الروسية الإفريقية المقبلة في عام 2026.
• الشرق الأوسط: استمر تعاون روسيا التقليدي مع معظم الدول العربية في التطور بشكل ديناميكي، ومن مستجدات العام الحالي انخراط روسيا في جهود لبناء علاقة مع السلطة الجديدة في سوريا، وهي جهود تكللت بخطوات واعدة وتضمنت اتصالات ولقاءات على أعلى مستويات.
• وكان من المزمع عقد أول قمة روسية عربية في موسكو في أكتوبر، لكنه تقرر تأجيلها لمنع عرقلة الجهود الدولية والعربية المركزة وقتها على وقف الحرب في قطاع غزة.

8. عودة حذرة للحوار مع الولايات المتحدة

الاستعداد الذي أبداها ترامب وفريقه منذ الأيام الأولى لولايته الرئاسية، للإصغاء إلى مطالب روسيا ومخاوفها الأمنية، خلق ظروفا مؤاتية لعودة الحوار وبدء تعافي العلاقات بين البلدين، رغم أنها لا تزال حتى الأن "مدمرة" تقريبا.  

وشهدت العلاقات بين موسكو وواشنطن تجددا للاتصالات على أعلى مستوى وبين كبار المسولين والتي كادت تنقطع في عهد الإدارة السابقة، ركزت على النزاع في أوكرانيا وأفاق التعاون الاقتصادي والمشاريع المشتركة بين البلدين. وأصبحت قمة أنكوريج رمزا لـ"العهد الجديد" في العلاقات الروسية الأمريكية.

لكن هذا العهد لا يخلو من المشكلات، النابعة من بقاء اختلافات في رؤية الطرفين للتسوية في أوكرانيا ومستقبل النظام العالمي ومحاولات واشنطن لممارسة ضغط على موسكو بين حين وأخر، من خلال فرض عقوبات جديدة على قطاعها النفطي ورسوما جمركية على شركائها التجاريين، وفي مقدمتها الهند.

9. تفاقم القطيعة مع أوروبا

بخلاف بوادر ذوبان الجليد بين موسكو مع واشنطن، واصلت علاقات روسيا مع أوروبا وأكبر دولها في التدهور، وسط عزم الأوروبيين (باستثناء قلة تضم هنغاريا وسلوفاكيا وربما التشيك منذ الآن) على تشديد نظام العقوبات ضد روسيا ومحاولة سرقة أصولها المجمدة في أوروبا، ودعم أوكرانيا ماليا وعسكريا، حتى وصلت الأمور إلى الحديث عن ضرورة استعداد أوروبا لحرب وشيكة مع روسيا.

وتنفي روسيا بشكل قاطع مزاعم نيتها مهاجمة أوروبا، متهمة الأوروبيين بمحاولة إحباط جهود السلام بشأن أوكرانيا حرصا على إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا باستخدام كييف. كما تحذر موسكو أوروبا من مغبة نهج العسكرة المتسارعة الذي يقوض الاسقرار والأمن في القارة العجوز.

وفي ظل تصاعد التوتر والغموض في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتفاقم المشكلات الاقتصادية والانقسامات السياسية داخل التكتل الأوروبي، بدأت موازين القوى تتغير ليس لصالح أوروبا.

في المقابل، تودع روسيا العام 2025 وهي في موقع أقوى إقليميا ودوليا، في حين باتت أحلام البعض لعزل روسيا أبعد منالا مما كانت عليه قبل عام.

المصدر: RT